ربيـــــــــــــــــع النفـــــــــــــــــوس
ربيــــــــــع النفــــــــوس
الربيع ربيع النفوس، لا فيما نراه من زخرف الأرض والسماء، يُحَيِّينا بأزهارٍ خفية تتفتح في ضمائرنا، أجمل وأبهــج،
وأحب إلينا من هذه الأزهار التي تتفتح في الرياض.
ويحبـونا بخصـبٍ في القلــوب، أغنى وأوفـر مـن ذلك الخصـب الذي ينبت منه الشــجر، ويزكــو فيه الثمـر، ويصــب
في جوانحنا من زلاله كؤوساً دِهَاقاً كالتي ينتشي بها الطير فيصــدح، ويحتسي منها النسـيم فيخفق، ويعـب فيه الفضــاء
فيصفو ويتألــق، ولـولا الربيع الذي يشـرق في النفــوس لـما أشــرق الربيع في أرض ولا سمــاء، ولـولا الطـيور التي
تهتـف لـنــا في الخواطر، وترفرف في فسحة الأمـــــل، لـما أطربتنا الطيور التي تهتف على الأغصان، وترفـرف في
الأجواء، ولولا الرياحين التي تتفتَّق عنها أكمام القلوب، وترويها أفاويق الحياة، لما أَنِقْنَا لريحانةٍ تنجم بها ناجمــة على
الأرض، وتسقيها غاديةٌ في الفضاء.
فما يعجبنا ربيع الأرض، ولا يسحر عيوننا، ويحرك أشجاننا إلا لأنه صدي الربيع الذي في النفس، ونغمة من نغماته،
ونفحــة من نفحــاته، أو لأن الربيعـين معـاً، ربيع النفـوس وربيع الرياض، صـدى قدرةٍ عظيمــة مكنونة في كل شئ،
متغلغلة في كل مكان، ونفحة من نفحات ربيعٍ سرمديِّ حافلٍ بالنور والخير والجمال.
(عباس محمود العقاد)
التوقيع |
|
آخر تعديل ابوناصرالصريخ يوم 27-04-2012 في 01:46 PM.
|